المادة    
  1. الفرق بين المصلحة الشرعية والتنازل عن دين الله

     المرفق    
    أجاب هذا السؤال الشيخ : سفر الحـوالي حفظه الله .
    السؤال: ما الفرق بين المصلحة الشرعية والتنازل عن شيء من دين الله؟
    الجواب: أي شيء يعارض النص ويقال: إن فيه مصلحة، فهو مفسدة وهو باطل، ولكن المصلحة التي نتكلم عنها: هي في الحقيقة متى نعمل بالنص، وكيف نعمل إذا تعارضت النصوص؟
    ولذلك عندما نقول: نوازن بين المصالح والمفاسد، فإننا نقصد هذه الحالة، أي أننا كما لو استخدمنا مصطلحات أصول الفقه، فمثلاً تحقيق مناط النص، المراد به كيف نطبق هذه الآية، أو كيف نطبق هذا الحديث.
    أما التنازل عن شيء من دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بمعنى أن يترك أو يهدر أو لا يدعى إليه، وأن يقر من خالفه وعمل بغيره مطلقاً، فهذا ليس من دين الله، ولا من شأن المسلمين والدعاة إلى الله تبارك وتعالى، فقد عرض المشركون هذا التنازل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: نعبد إلهك سنة، وتعبد آلهتنا سنة! فأنزل الله عليه: ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ))[الكافرون:1-2] إلى آخر السورة، وهذا ليس داخلاً في الموضوع.. وإنما المقصود تأخير حكمٍ شرعي لا توجد مصلحة في تنفيذه الآن، وأنا أجملت فقلت: لو استعرضنا الصور كلها، لوجدناها ناطقة بهذه الحكم، فمثلاً عندما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لولا أن قومك حديثو عهد بكفر، لهدمت الكعبة ولجعلتها على قواعد إبراهيم} هذا بيت الله وحرم الله، فلماذا يؤخر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
    لابد أن هناك مصلحة، مع أن العمل مشروع، وقد همَّ أن يجعلها على قواعد أبيه إبراهيم؛ لأن هذا هو الأصل، لكن الذين غيروا هذه القواعد هم كفار قريش؛ إذ ضاقت بهم النفقة عن إتمامها فاقتصروا عليها، فهذا أمر شرعي مطلوب، لكنه لم يُفعل لأجل مصلحة، وهي حتى لا يقال: إن العرب إنما كانوا يعظمون من يعظم هذا البيت في جاهليتهم وإسلامهم، وبعضهم قد يظن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان يتردد في قريش أنه صابئ أو أنه غَيَّر ديننا ودين آبائنا، وأنه فعل وفعل.
    فأعظم شيء تعظمه العرب وتقدسه هو هذا البيت وحرمته، فلو جاء وغيَّره لأشاعوا، ولقال المنافقون وأرجف المرجفون، وبلغ أطراف الأعراب والبوادي أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقض البيت، ولن يُقال: إنه أراد أن يبنيه على قواعد إبراهيم، بل ربما يظن كثير منهم أن هذه هي قواعد إبراهيم، إذاً هناك مصلحة.
    مثال آخر : تحطيم الأصنام نفسها، كانت المصلحة ألا يحطمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يكسرها، حتى جاء عام الفتح ودخل ظافراً منصوراً.. أما قبل ذلك، فلم يفعل حتى وهو في طوافه، ومعه الجيش في عمرة القضاء، طافوا وسعوا وصلوا في المسجد الحرام، والأصنام في داخل الكعبة وحولها؛ بل نهى عن سبها وعن شتمها أبا ذر في الحديث الصحيح المتفق عليه، حين أمره أن يخفي إيمانه، ونصحه وهو صائم ألَّا يعلن، فلما أعلن بذلك، وقال تلك الكلمة التي تستفظعها في حق إساف ونائلة حصل له ما حصل من الضرب والأذى.
    فهذا هو عمل أيضاً بقوله تعالى : ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم))[الأنعام:108]، فحين عادى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلهتهم وسبها، قامت العداوة ضده؛ وسبوا القرآن ومن أنزله فمنعوا من ذلك، لئلا يكون في ذلك ذريعة إلى سب الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فالمقصود من المصلحة إنما هو إقامة أمر الله وشرعه على أحسن الوجوه وأتمها، فلو تعارضت مع النص والدين لم تعد مصلحة بل مفسدة؛ لأن الحلال بيِّن والحرام بيِّن كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فمن الناس من يفطن أو يستطيع أن يعرف ما هو أرجح المصلحتين، وما هو أقل المفسدتين، لكنهم قليل جداً.
    فمن الذي يستطيع أن يقدر أنني إذا أنكرت هذا المنكر لم ينشأ عنه منكر أكبر منه؟
    إنهم قليل جداً. وهذا هو فقه الدعوة المقصود والمراد به هنا، مَنْ مِنَ الناس من يستطيع أن يعلم أنني لو ارتكبت هذا المنكر فسأحقق معروفاً أكبر؛ فأرتكبه ليتلاشى هذا المنكر في سبيل المعروف الذي هو أكبر منه؟ ليس كل أحد...
    ومع ظهور الفتن والانحراف حصل هذا الخلل في الأمة، أما في أيام الخير المحض، الذي يتمحض واضحاً، والشر المحض، أو في حالات معينة يكون الخير فيها محضاً، فكل ما عارض شرع الله وكل ما عارض الدليل فهو مفسدة، وليس فيه أدنى مصلحة.
  2. حكم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته

     المرفق    
    أجاب على هذا السؤال الشيخ: محمد القحطـاني حفظه الله .
    السؤال: هل طلب الدعاء من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موته من الشرك الأكبر؟ وكيف يورد ابن كثير قصة العتبي؟
    يجيب الشيخ محمد فيقول:
    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
    أعظم علامة في دعوة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي التوحيد، فهو إمام الموحدين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان أحد يسلم من الاتهام لسلم منه المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أكرم خلق الله على الله، جاء بالتوحيد الخالص، فقيل له: ساحر ومجنون وكاهن... إلى آخر ما قيل في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    لذلك فقد أمرنا الله تعالى بتجريد التوحيد له سبحانه، وكذلك أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سبحانه: ((فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً))[الجن:18]، والآيات في هذا كثيرة جداً، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله}، فإذا كان غضبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته ثابتاً كما في الحديث الصحيح، وذلك عندما استُخْدِمَ حرفٌ من حروف اللغة استخداماً خاطئاً إذ قال له أحد الناس: ما شاء الله وشئت، فأجابه بقوله: {أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله ثم شئت } أو كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا كان هذا في حياته صلى الله عليه وسلم فهل يعقل أن يدعى بعد موته؟!
    إن من علامات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يفهم من حديث: {اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى أنبياءهم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله}.
    والتوسل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينقسم إلى أقسام:
    1- منها ما هو مشروع.
    2- ومنها ما هو بدعي.
    3- ومنها ما هو شركي.
    فأما التوسل السني: فهو الطلب منه في حال حياته، كأن يأتي إنسان ويقول: ادعُ لي يا رسول الله! ومن التوسل السني أيضاً أن يتوسل الإنسان بالعمل الصالح، كأن يقول: اللهم بحق إيماني بك وبنبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغفر لي، فهذا توسل سني.
    أما التوسل البدعي: فهو مثل من يقول: اللهم بجاه رسول الله اغفر لي، فهذا بدعة، وكل بدعة مردودة على صاحبها، فلا يقبل العمل حتى يكون خالصاً لله وصواباً على وفق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وأما التوسل الشركي: فهو الدعاء والاستغاثة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دون الله، كأن يقول: يا رسول الله! أمدني بمال، رد غائبي، هلك مالي، وما أشبه ذلك، وأذكر أنني رأيت في المطاف من يقول هذا، رأيته يطوف ويقول: يا رسول الله أتيت لتغفر لي!!
    أقسم لكم بالذي خلقني وخلقكم أنني سمعت هذا بأذني!! فقلت له: يا أخي بيت من هذا؟ فقال: هذا بيت الله، فقلت: لماذا تدعو رسول الله من دون الله؟ قال: أنت وهابي تكره الرسول، دعك عني! فهذا هو الجهل المطبق، يطوف ببيت الله ويدعو غير الله...!
    فدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاستغاثة به من دون الله شرك أكبر لا شك في ذلك.
    فالواجب على طلبة العلم وكل من بَصَّره الله بدينه أن يبين الخير للناس، وأن يرشد الناس إلى معرفة أمور دينهم ومعرفة المشروع والمسنون والبدعي والشركي منها حتى تقوم الحجة على الناس.
    أما بالنسبة لما ذكره الحافظ ابن كثير من إيراده لقصة العتبي فهي قصة خرافية، ولعلماء السنة رحمهم الله منهج فيها على النحو التالي:
    أولاً: من منهج علماء السنة أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئ، فيمكن أن يأتي أحد الزنادقة، ويضع سنداً من عنده ليقوي هذه القصة، فعلماء الحديث رحمهم الله أحياناً يوردون القصة بسندها لتعرف ولو كانت ضعيفة ومنكرة، حتى يعرف هذا الطريق، فلا يقتربن أحد من تصحيحها، فقصة العتبي هذه غير صحيحة.
    أما ذكر ابن كثير فكان الواجب أن ينبه على أنها غير صحيحة، لكن يجب أن نفهم أنه لا عصمة لأحد من البشر غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن الغريب أن نختلف حول قصة العتبي، وهي قصة غير صحيحة، ونترك ما اتفقت عليه الأمة، فقد جاء في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: [[اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك فتسقينا -أي نقول: يا رسول الله! ادعُ الله لنا- واليوم نستسقي بعم نبيك، يا عباس عم رسول الله! ادع الله لنا، فقال العباس: اللهم أغث المسلمين، اللهم ارحمهم، فأنزل الله الغيث والمطر]].
    إذاً سؤال العبد فيما يستطيعه أمر مشروع، كأن تأتي إلى إنسان صالح مشهور بصلاحه وتقواه، فتقول: يا فلان! ادع الله لي أن يهديني، هذا أمر طيب، فباستطاعته يدعو ويبتهل إلى الله أن يغفر لك أو يرزقك، فـعمر بن الخطاب طلب من العباس، ولم يقل: اللهم بجاه نبيك، أو يا رسول الله ها نحن أصحابك هلكنا فادع الله أن يغيثنا؛ لأنهم رضوان الله عليهم تربوا على التوحيد وعلى صيانة جناب المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أن تُدنس دعوته بشيء يخرم دين الله.
    فسؤال الحي فيما يقدر عليه أمر مشروع، مثلما فعل عمر بن الخطاب مع العباس رضي الله عنهما، أما قصة العتبي فهي موضوعة ولا عبرة بها.
  3. الحياة العلمية للشيخ سفر

     المرفق    
    أجاب على هذا السؤال الشيخ : سفر الحـوالي حفظه الله.
    السؤال: يقول السائل للشيخ: كيف تلقيت علومك لتكون أسوة وقدوة؟
    الجواب: أرجو أن نستفيد من وقتنا في الشيء المهم، فالأسوة والقدوة هي في سلفنا الصالح وفي علمائنا الأفاضل، أما أنا فقد درست في المعهد العلمي، ثم في الجامعة الإسلامية، ثم أخذت الدراسات العليا في مكة، ولا يوجد عندنا شيء في دراستنا تجعلنا أسوة أو قدوة، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا عند حسن ظنكم، وأن يغفر لنا ما لا تعلمون.
  4. قاعدة في أمور الغيب

     المرفق    
    أجاب على هذا السؤال الشيخ : محمد القحـطاني حفظه الله .
    السؤال: جاء في الحديث أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى أهل النار وأهل الجنة، فما معناه؟
    وهل يوجد أناس في الجنة أو في النار الآن؟
    يجيب الشيخ محمد: هذا مما أوحى الله به إلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمر الغيب، ومنهج أهل السنة والجماعة ألا نعمل العقل فيما لا مجال للعقل فيه.
    فهذه قاعدة يجب أن تتربى عليها الأمة، فإذا حوكمت النصوص الشرعية إلى عقول البشر، فمعنى هذا أننا نطالب بأن يكون علمنا كعلم الله، فالإيمان بالغيب أهم أمر ركزت عليه الشريعة، فهو ميزان ما بين المؤمن والكافر، كذلك أرسل الله إلينا رسولاً لا ينطق عن الهوى، وأيده بالمعجزات الباهرة، فحين قال لقريش: {أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟
    قالوا: نعم. ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال: أبو لهب تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا
    }، ومن أعظم المعجزات القرآن الكريم، فمن قواعد أهل السنة والجماعة الإيمان بالغيب، أما من ناحية الآخرة فلا شك أن القبر أول منازل الآخرة، وهو روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
    وأما ما كشف للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المعذبين في النار، ومن أصحاب الجنة، فليس لي من إجابة إلا أن هذا من أمر الغيب.
    إكمال للشيخ سفر: أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الجنة والنار مخلوقتان وموجودتان الآن، فإن كان إشكال السائل فيمن أخبر عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن قد مات، مثلما أخبر أنه رأى عمرو بن لحي في النار أو غيره، فهذا ليس فيه استغراب أو استنكار، فهذا قد هلك، وقد رآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأطلعه الله على ذلك، فلا إشكال.
    وإن كان المقصود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة الإسراء رأى الجنة وأهلها والنار وأهلها، فإنما رأى الحالة التي سيكونون عليها كأكلة الربا، وأيضاً ليس هناك إشكال على قاعدة أن الله قادر على أن يري نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحال التي لم تقع، كما هو قادر على أن يريه الحال التي قد وقعت، فالكل في قدرة الله سواء، والمقصود هو العبرة والاتعاظ مع كمال التصديق والتسليم.
    والحمد لله رب العالمين.